سياحة عربية

السياحة في الجزائر تستيقظ ببطء من سباتها العميق

لم يعد خافيا على المولعين بالسياحة والسفر جمال طبيعة الجزائر المتنوع من البحر إلى الجبال والغابات والصحراء، فشبكة الإنترنت وما توفره من وسائل اتصال اجتماعي تعرض الصور والفيديوهات لبلاد تمتد من البحر المتوسط إلى الصحراء الكبرى ومن جبال خمير الغابية التي تشترك فيها مع تونس إلى الحدود الطبيعية مع المغرب.

وتتحدث كتب التاريخ أيضا عن تعاقب الحضارات لهذا البلد المترامي الأطراف، وتشهد المعالم التاريخية المتبقية والمتاحف على حضارة الأمازيغ ومرور الفينيقيين والرومانيين والمسلمين القادمين من الشرق والعائدين من الأندلس، ثم الفرنسيين الذين استغلوا جمال المنطقة للاستثمار في السياحة حتى بعد الاستقلال.

وتوجد سبعة مواقع للتراث العالمي مصنفة ضمن قائمة اليونسكو تتنوع بين الرومانية والإسلامية والنقوش التي تعود للعصور الغابرة كما في آثار تيازة وجمياة والقصبة ووادي ميزاب ومواقع أخرى.ومنذ العشرية السوداء تراجع عدد السياح، وشهد القطاع ركودا لسنوات عديدة.

مرتفعات خضراء للتأمل والهدوء

لا تزال مخلفات العشرية السوداء تلقي بظلالها على السياحة في الجزائر، إذ لم يتجاوز عدد السياح الأجانب ثلاثة آلاف شخص سنويا منذ 20 سنة، ولم يتجاوز عدد القادمين إلى الجزائر عن طريق وكالات الأسفار ألفي شخص.

وتمتاز الجزائر بالمناظر الطبيعية الكثيرة والمتنوعة، وتقدم إحساس المغامرة للسياح، فساحل البحر المتوسط والمناظر الطبيعية الخصبة والأطلال الرومانية الموجودة بها تنافس أي مكان آخر في العالم، كما أنها تحتوي على الكثير من المدن الساحرة ذات الشوارع المتعرجة والهندسة المعمارية المذهلة.

ومن عوامل الجذب السياحي في البلاد المنطقة الصحراوية حيث الرمال التي لا تنتهي والمدن الغامضة والحيوية، لكن هناك بعض المناطق في البلاد لا تزال غير آمنة تماما للسياحة فيها رغم أن معظم السياح الذين يغامرون بزيارتها يلاقون فيها ترحيبا رائعا من قبل السكان هناك.

وبحسب الخبراء الجزائريين العاملين بالقطاع، فمن بين العوائق التي تساهم في عزوف السياح عن زيارة البلاد البنية التحتية ونقص الخدمات، فعلى الرغم من طول السواحل الجزائرية التي تصل إلى 1600 كلم إلا أن ثلثها يتكون من أراض زراعية والثلث الآخر من خلجان صخرية، أما الثلث الأخير فيضم شواطئ رملية، ما يعني أنه لا يمكن حتى تلبية الطلب المحلي، كما أن هذه الشواطئ تفتقر إلى الصيانة إضافة إلى غياب الأمن.

وفي ما يخص السياحة الصحراوية والتي تجذب الأجانب، فإن أغلب المنافذ لها مغلقة بسبب المشكلات الأمنية خوفا من الإرهابيين الذين ينتشرون أيضا في المناطق الشرقية للبلاد على الحدود المشتركة مع تونس.

ويصف كثيرون ممن زاروا الصحراء الجزائرية بالجنة المليئة بالأسرار المدهشة، ففي منطقة تيميمون التي تلقب بـ”الواحة الحمراء” بسبب انتشار مبان مشيدة بالطوب الأحمر هناك قصور ساحرة يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر الميلادي ويصل عددها اليوم إلى الثلاثين، يحيط بها النخيل والمياه الطبيعية العذبة ويقصدها السياح في احتفالات رأس السنة.

لكن حادثة اختطاف وإعدام المواطن الفرنسي الفرنس غوردال في سبتمبر 2014 على يد جماعة إرهابية في محافظة تيزي وزو (شرق)، أضافت المزيد من المتاعب لقطاع السياحة الصحراوية خاصة.

وحين يحتاج اليوم أي فريق سياحي لزيارة جبال هقار مثلا تسعى السلطات إلى توفير المرافقة الأمنية للفريق السياحي، وعلى الرغم من ثناء العاملين في القطاع السياحي على هذا الإجراء إلا أنهم يقترحون حماية كل المحيط السياحي في الصحراء بدل تأمين كل مجموعة على حدة، فحين يرى السائح جهازا أمنيا من حوله، لن يشعر بالضرورة أنه في أمان، فلا يستطيع أن يستمتع بكأس شاي على الكثبان الرملية في سهرة دافئة أو بركوب الجمال مع مرشدين من الطوارق.

ويقول المرشد السياحي صالح الذي يعمل في منطقة تمنراست التي تحيط بها الكثبان الرملية “إنه لمشكل كبير لأن السياحة توقفت بسبب المشكلات التي جرت في ليبيا ومالي والتي أثرت سلبيا علينا. الناس خائفون من الوضع الأمني ولكن نحن لا نأخذ السياح إلى أماكن خطرة”.

والاستقرار الأمني ليس هو العائق الوحيد أمام عودة السياح إلى مدينة أثرية في الهضاب العليا في سطيف، والأخاديد المدهشة في جبال أوراس، والقصور الطينية التي يفوق عمرها أكثر من ألف عام  على هضبة صخرية في وادي مزاب في محافظة غرداية، أو الاستمتاع برحلة في جبل أسكرام المهيب في تمنراست، وصولا إلى اللوحات الصخرية في جانت، في الجنوب الجزائري. ويتفق العاملون في القطاع السياحي الجزائري على أن القطاع لا يزال يعاني من مشكلات الأمن والاستقرار وغياب ما يعرف بالشرطة السياحية وغياب الخدمات السياحية وضعف قدرة الاستيعاب الفندقي وعدم تنوعه وغياب النظافة بشكل عام ونظافة الشواطئ بشكل خاص وعدم الاهتمام بتهيئة الغابات وغياب إستراتيجية تسويق المنتجات السياحية على المستوى الدولي.

ورغم كل هذه العوامل، يعتقد خبراء السياحة أن البلاد قادرة على إحياء القطاع، إلا أن عملية تهيئة أو إعادة تهيئة ستكون على المدى الطويل، لكن ليس من الصعب أن تعود الجزائر إلى الخارطة السياحية العالمية.

السياحة الجزائرية تنفض الغبار بعد سنوات عجاف

منذ سنوات قليلة، يؤكد المسؤولون المتعاقبون على رأس وزارة السياحة الرغبة في إحياء القطاع من أجل تطوير وتنويع اقتصاد يُعرف بشدة تبعيته للمحروقات، وزادت هذه الرغبة بعد أن تحصلت الجزائر مؤخرا على مقعد في المكتب التنفيذي للمنظمة العالمية للسياحة لمدة 4 سنوات قادمة.

عودة الجزائر لعضوية المكتب العالمي للسياحة العالمية دفعت وزير السياحة عبدالقادر بن مسعود إلى “دعم القطاع والترويج للجزائر كوجهة سياحية من خلال تنويع البرامج وتنظيم رحلات استكشافية إلى مناطق مختلفة من البلاد”.

وأكد المدير العام للسياحة زبير سفيان أن انخراط الجزائر في المنظمة العالمية للسياحة سيسمح لها بلعب دور هام على اعتبار أن إستراتيجية المنظمة تتجه خاصة نحو الترويج وترقية السياحة في أفريقيا التي أصبحت اليوم من بين الوجهات السياحية الهامة في العالم.

وأشار سفيان إلى أن الجزائر بدأت على المدى القريب بتطبيق الإستراتيجية المعتمدة على البنية التحتية لإنشاء قاعدة مواصلات واتصالات بما فيها شبكة الطرقات والانفتاح على القارة السمراء، ما سيساهم في جعل الجزائر بوابة لأفريقيا في جميع المجالات.

واعترف المدير العام للسياحة بأن هناك مشكلات مازالت تعيق القطاع منها مشكل انعدام التأشيرة الإلكترونية، إضافة إلى غلاء تذاكر شركة الطيران الجزائرية.

 

(العرب)

إغلاق