سياحة عربية

السياحة التطوعية عطلة بطعم إنساني

للسياحة طعم الراحة والاستجمام وأيام من العز نشتغل من أجلها طيلة العام، لكن المفاهيم الثورية التي ولدتها الثورة التكنولوجية غيرت النظرة إلى الحياة وتفاصيلها، أصبحت سياحة اليوم هي المشاركة في حياة الآخرين وثقافتهم، بل مساعدتهم دون مقابل، فقط لأنهم يستحقون ذلك، ولأن حياتهم غنية بما تعلمنا أيضا.

كولونيا (ألمانيا) – الشمس، الشاطئ والاسترخاء، هذه كانت مواصفات إجازة الأحلام، لكن لا مانع في هذه الأيام إذا كانت الإجازة مرهقة بعض الشيء، وبالخصوص للمغرمين بالسفر خاصة منهم الشباب الذين يتوقون إلى اكتشاف ثقافات الشعوب الأخرى.

أصبح الشباب والبعض من المتقاعدين ومحبي المغامرة على استعداد للنوم فوق أريكة بدلا من النوم في غرفة فندقية، وأن يستقلوا حافلة عامة متداعية بدلا من سيارة أجرة، وأن يتناولوا الطعام في مطعم شعبي -أو تناول وجبة خفيفة في الشارع- بدلا من تناوله في مطعم بفندق، هم يريدون رؤية الحياة الحقيقية في الدولة الأجنبية وأن يتواصلوا مع المواطنين بصدق يدفعهم في ذلك استعدادهم للعمل التطوعي في البلاد التي يزورونها.

السياحة التطوعية التي يقبل عليها الشباب اليوم، لا تقتصر على التمتع بجمال البلاد التي يسافرون إليها، وإنما تشمل أيضا المشاركة في جعل تلك البلاد مكانا أفضل، ربما رعاية الفيلة في تايلاند، أو العمل لحماية الغابات المطيرة في كوستاريكا أو تعليم اللغة الإنكليزية في إثيوبيا.

ورغم أنها سياحة غير منتشرة في الوطن  العربي بشكل مكثف إلا أن هناك بعض الشباب الذين يحبون المغامرة، انخرطوا في هذا النوع من السياحة غير المُكْلِفة، لكنها بدأت في الانتشار من خلال الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر صور الطلبة الذين يسافرون إلى أماكن تبدو خطيرة لكنها تمتاز بمناظر ممتعة.

أعمال كثيرة قد يقوم بها السائحون المتطوعون الممتلئون بحب العالم كزراعة وغرس الأشجار والنباتات، وتعبيد الطرقات مقابل الاستمتاع بالرحلة السياحية في قلب الصحراء أو في الغابة.

والسياحة الشاطئية عند هؤلاء المتطوعين هي العمل على تنظيف وتنقية الشواطئ والسواحل، بموازاة الاستمتاع بالرحلة الشاطئية. وكذلك قد يقوم المتطوعون بأعمال جمع القمامة، وتنظيف الشوارع، ويتوقف دور السائح المتطوع أو يزيد حسب رغبته في القيام بذلك العمل.

 الشباب يستمتعون بخدمة الناس في بلدان جديدة

الطلب على مثل هذه الفرص التطوعية مكثّف من قبل فئات من الشباب لديها استعدادات خاصة للقيام بأدوار مجتمعية على النحو الذي تحبه وترتضيه وتحلم به لمجتمعها، لكن البعض بل أغلب الشباب ليسوا مستعدين للتبرع بوقت طويل لمدة ستة أشهر أو عام مثلا، لارتباطاتهم الدراسية أو المهنية.

لكن أغلبهم يحبذ اكتساب خبرة اجتماعية في بلاد أخرى من خلال قضاء فترات أقصر في الخارج تتراوح ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أشهر. وينطبق مصطلح السياحة التطوعية على الذين يقومون بنوع من العمل التطوعي أثناء قضائهم عطلتهم كسائحين. وهذا يعد الآن أحد الأنماط التي يزداد انتشارها في قطاع السياحة، وتقدر قيمته بالمليارات من الدولارات، بحسب ما قالته مجموعة العمل الخاصة بالسياحة والتنمية في ألمانيا.

وتقدم بعض شركات السياحة الكبرى ما يطلق عليه اسم “عطلات الكارما”، وهي رحلة تتضمن العمل التطوعي والترفيه ومشاهدة المناظر الطبيعية والمواقع الأثرية.

يقول بنيامين هاس، الباحث بجامعة كولونيا، الذي يقوم بأبحاث في مجال التطوع “كلما قصرت فترة البقاء في الخارج، جاءت السياحة في المقدمة”.

المتطوعون عادة ما يعملون من الساعة الثامنة صباحا حتى الواحدة ظهرا، ثم بعد ذلك يكون أمامهم وقت حر في فترة ما بعد الظهيرة، وهذا يكون وقت التوجه إلى الشواطئ أو استكشاف المدن وعادات السكان وثقافتهم.

ومن بين الأعمال التطوعية الأكثر شهرة العمل مع الأطفال في دور الأيتام مثلا، لكن دوروثيا سزارنيكي، نائبة مدير منظمة معنية بمواجهة الاستغلال الجنسي للأطفال، تقول “دون قصد، يمكن أن يزيد التطوع من الفساد وتهريب الأطفال”.

ويعتبر الطلب على العمل مع الأطفال أمرا يحبذه الشباب وخاصة الفتيات اللاتي تجاوزن الثلاثين من العمر ربما بدافع غريزة الأمومة. وتشير نينا ساديفا، التي تعمل لصالح مجموعة العمل بشأن السياحة والتنمية، إلى أن “قضية الأطفال حساسة، هنا في ألمانيا، ليس من السهل أن يتولى أي شخص مسؤولية فصل أو دار حضانة، ولكن في أماكن أخرى، من السهل فعل ذلك ولا توجد قيود، مما يجعل الأمر مريبا”.

وتضيف “مع استمرار تغيير المشرفين على العناية بالأطفال، يعاني هؤلاء الصغار بصورة متكررة من فقدانهم لمن كانوا يرعونهم ، كما يصبح سلوكهم غير صحي”. وتوضح أنه لذلك لا يجب أن يتم جلب متطوعين مؤهلين للعمل في مشاريع مع أطفال لفترة أقل من ستة أشهر.

ويُنصح أيضا بالبقاء لفترة أطول في مشاريع التطوع التي لا تشمل الأطفال، مثل حماية البيئة أو رعاية الحيوانات.

ويقول هانس “بهذه الطريقة، يمكن للمتطوع تعلم اللغة ومعرفة البلاد وشعبها بصورة كاملة، وبالتالي يحقق مكسبا أكبر”. ويضيف “البلدان التي تتم زيارتها مختلفة تماما وذات ثقافات متنوعة، لذلك يكون الشباب في بداية السفر مشغولين بأنفسهم، ما يعني أنه في البداية لا يمكنهم تقديم الكثير”.

شركات السياحة الكبرى تقدم "عطلات الكارما" وهي رحلة تتضمن العمل التطوعي والترفيه

لا يمكن للمتطوع تحقيق الكثير خلال أسبوعين فقط، لذلك هناك بعض المشاريع التي تكون ملائمة لاستقبال مساعدة لفترة قصيرة، بحيث يمكن للمتطوعين الذين لا يملكون خبرة تحقيق نتيجة مباشرة.

ومثل هذه المشاريع، على سبيل المثال، يمكن أن تكون بعض الإصلاحات في المواقع الأثرية أو تنظيف شوارع أو إنجاز أعمال فلاحية.

يقول الشاب الأردني عبدالله الشمالي، متحدثا عن تجربته في السفر، وكانت وجهته هذه المرة تركيا، “عزمت على سفر طويل إلى تركيا وخوض تجربة جديدة تفيدني في حياتي، فاتفقت مع عدة مزارعين في تركيا عن طريق الإنترنت على العمل متطوعا في الميدان الفلاحي والإقامة عندهم مقابل الأكل والسكن، وكانت غايتي الإطلاع على ثقافات مختلفة، ومقابلة أناس من غير جنسيتي، وأن أتعلم مهارات جديدة وأعيش أياما طويلة في تركيا بالقليل من المال.

ويضيف “قضيت أول يوم في إسطنبول ثم توجهت إلى المزرعة التي تطوعت فيها في مدينة ساحلية على البحر الأسود، هناك حرثت الأرض وزرعتها، ورعيت الغنم والبقر، قطفت الخضروات والفواكه، قلعت الحشائش ونقلت الكثير من الروث للتسميد.. كان العمل شاقا قليلا، لكني عشقت كل لحظة قضيتها هناك”.

العائلات في الوطن العربي تخاف على أبنائها من السياحة التطوعية باعتبارها غير مأمونة العواقب لأن البلدان التي يكون فيها العمل التطوعي غير مستقرة وتعاني من انتشار الأمراض، لذلك عادة ما ترفض هذه العائلات سفر أبنائها وإن رغبت في ذلك.

خالد كلبوسي الشاب التونسي الذي كان يدرس في الجامعة وتخرج طبيبا، اعتاد السفر في العطلات الصيفية إلى الدول الأفريقية للعمل التطوعي، ساعده على ذلك اختصاصه في الطب، فسافر إلى أوغندا والكونغو والسودان، هناك كان يساعد المرضى وخاصة الأطفال، وكان يدخل إلى بيوت الفقراء، يأكل معهم طعامهم ويسهر معهم، يستمع لمعاناتهم لكنه كان يشاركهم فرحهم أيضا.

يقول خالد الذي واصل عمله في العمل الطبي مع “أطباء بلا حدود” في أميركا اللاتينية “إن هذه الشعوب مرحة رغم فقرها، تحب الضيف ومن يساعدها، لها ثقافتها التي لا يطلع عليها المرء في الكتب ولها موسيقاها وعاداتها وتقاليدها، إنها كتاب مفتوح في الحضارة الإنسانية، تعلمت منها الكثير، الصبر والبساطة وأن الحياة ليست فاخرة بالقدر الذي نحلم به، ولكنها تستحق أن نعيشها بفرح”.

فالسياحة التطوعية ليست راحة واستجماما طوال الوقت لذلك تحتاج إلى أناس لا يقتصرون فقط على الشباب، بل يشملون كل الفئات العمرية من الأفراد المحبين للحياة والعالم والأرض، وذلك بحب العمل الخيري والقيام بأدوار إيجابية تطوعية في أي وقت وفي أي مكان، ولا تثنيهم أوقات راحتهم عن مهامهم الإنسانية.

السياحة التطوعية تحتاج إلى أناس محبين للحياة والعالم والأرض
إغلاق