سياحة عربية

السعودية.. السياحة الداخلية تنتعش وتقهر المعوقات

اعتبر خبراء ومستشارون اقتصاديون السياحة من أهم محركات التنمية الاقتصادية، والأكثر إسهامًا في تطوير المجتمعات؛ وخلق الوظائف؛ وزيادة حجم الناتج المحلي بما يحقق الاستثمار الأمثل للبنى التحتية وتنوع مصادر الدخل. مشيرين إلى أن أهمية قطاع السياحة للاقتصاد، جعلت منه ركيزة من ركائز رؤية المملكة 2030 الهادفة إلى تنويع مصادر الاقتصاد والدخل، وتنمية القطاعات غير المفعلة ورفع إسهاماتها في الناتج المحلي الإجمالي. وأكدوا أن حكومة المملكة تقف بقوة خلف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني من أجل تحقيق أهدافها بحلول عام 2030؛ والرهان على القطاع السياحي الذي يعتبره المحرك المقبل للاقتصاد، والأكثر خلقًا للوظائف، والفرص الاستثمارية، والتدفقات المالية، والمعزز للتنمية المناطقية ورفع جودة الحياة. موضحين أن السياحة الداخلية تسهم بشكل فعال في تحقيق مستوى عالٍ من الرفاهية سواءً النفسية أم الاجتماعية أم الصحية أم الاقتصادية أم البدنية أم الفكرية للفرد والمجتمع بشكل عام.

حقق قطاع السياحة والسفر في المملكة نموًا متسارعًا، وقدرت مساهمة القطاع في الاقتصاد السعودي بأكثر من 211 مليار ريال العام الماضي، مشيرًا إلى التطور الشامل الذي يشهده خلال السنوات الأخيرة، طبقًا لأحدث بيانات مركز ماس للدراسات والأبحاث السياحية التابع للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.

وتراجع الإنفاق على السياحة الخارجية في عام 2018 بنحو 2%، ليسجل أدنى مستوى منذ 2013، مقابل ارتفاع قيمة الإنفاق على السياحة المحلية بنسبة 4.1%، وبلغ الإنفاق على السياحة الخارجية نحو 76.4 مليار ريال العام الماضي، مسجلاً تراجعًا للعام الثاني على التوالي، حيث انخفض في عام 2017 بنسبة 19.9% إلى نحو 78 مليار ريال.

في حين بلغ الإنفاق على السياحة المحلية نحو 48 مليار ريال في 2018 مقارنة بـ46.1 مليار ريال في 2017.

وتشكل العطلات والتسوق النسبة الأكبر من إجمالي الإنفاق على السياحة المحلية بنسبة 40.3% بنحو 19.4 مليار ريال في 2018، وسياحة الأعمال والمؤتمرات التي تشكل نحو 4.7% من إجمالي الإنفاق على السياحة المحلية حيث تقدر بنحو 2.2 مليار ريال.

فيما يقدر الإنفاق على التنزه والتسوق خلال العطلات في الداخل بنحو 40 مليار ريال ونسبتها تجاوزت 52%.

أوضحت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أنها وضعت أهدافًا إستراتيجية شاملة ومرحلية لتنمية السياحة المحلية، وتتحقق الأهداف بشكل تدريجي منهجي، وترصد الهيئة مؤشرات التنمية وتمكين مفهوم السياحة المحلية من خلال الاستجابة الاجتماعية، وحدوث تحول إيجابي في نظرة المجتمع للسياحة المحلية.

مشيرة إلى أنها نجحت في نقل مفهوم السياحة من كونه مرتبطاً بالجهة التنظيمية للنشاط السياحي، إلى تحمل الأفراد والمؤسسات جميعاً مسؤوليتهم الثقافية والاجتماعية تجاه التنمية السياحية، بالإضافة إلى انتقال الأنشطة والبرامج السياحية من الإطار التفاعلي المباشر والمؤقت إلى الإطار التنظيمي المنهجي الذي تقوده الرؤى المؤسساتية والدراسات المستقبلية، وبمشاركة فاعلة من الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بصناعة السياحة في المملكة.

كشف تقرير إحصائي أن الإنفاق السياحي على السياحة المحلية في مناطق المملكة بلغ 46.3 مليار ريال عام 2018.

فيما بلغ الإنفاق على السياحة الوافدة إلى المملكة 75.2 مليار ريال في ذات العام.

ورصدت نشرة مؤشرات السفر والسياحة في المملكة الحركة السياحية المحلية خلال شهري يناير وفبراير 2019، الصادرة عن مركز المعلومات والأبحاث السياحية (ماس) التابع للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أن إجمالي الرحلات السياحية المحلية خلال 2018 وصل إلى 42.7 مليون رحلة سياحية بينما وصل إجمالي الرحلات السياحية الوافدة إلى المملكة خلال العام الماضي إلى 15.3 مليون رحلة سياحية.

فيما بلغ إجمالي الإنفاق السياحي على السياحة المحلية في يناير وفبراير 2019 بلغ نحو 8.9 مليار ريال بنسبة ارتفاع 2.9% عن الفترة ذاتها العام الماضي والتي بلغت 8.7 مليار ريال.

وبينت النشرة أن الإنفاق السياحي على السياحة الوافدة في يناير وفبراير هذا العام بلغ 12.5 مليار ريال، بنسبة ارتفاع 13.6% عن الفترة ذاتها العام الماضي والتي بلغت 11 مليار ريال.

يشار إلى أن الرحلة السياحية هي مصطلح يقصد به الرحلة التي يكون فيها مبيت، وقد تكون للسائح الواحد أكثر من رحلة سياحية.

تستقطب المشاريع السياحية المبتكرة والجاذبة أعداداً كبيرة من الزوار، من مختلف مناطق المملكة وخارجها أيضاً، من الباحثين عن المتعة في التجول على ارتفاع مئات الأمتار، داخل عربات معلقة، والإطلال على مواقع سياحية تمتاز بمناظر خلابة.

ومن أبرز تلك المشاريع «سياحة التلفريك» التي ظهرت خلال العقود الثلاثة الماضية، خصوصاً في المناطق الجبلية، ومنها الباحة، والطائف، وأبها (عسير)، وجازان، وأخيراً الأحساء. وكشف أمين الأحساء م. عادل الملحم عن أنه وضمن خطط الأمانة المرحلية لإنجاز أعمالها بمشروع منتزه جبل الشعبة (شمال – شرق الواحة) تنفيذ المرحلة الثالثة من المشروع والتي تتركز في (الأعمال الميكانيكية لتشغيل البحيرات والشلالات، تركيب ألعاب المغامرات، تجهيز المسطحات الخضراء والأشجار وزيادة الرقعة الزراعية).

وأوضح الملحم، أنه سيتم طرح المرحلة الرابعة من مشروع المنتزه للتنفيذ خلال الفترة القادمة، والتي ستتضمن عناصر ترفيهية وخدمية عدة من بينها (مرافق وساحات سباقات رالي ودرفت، ومناطق طيران شراعي، موقع لسباقات المركبات الرملية، جسور مشاة تعبر الشلالات، مواقف إضافية للمركبات والحافلات في موقع التلفريك والبحيرات، ممرات مشاة ومناطق مظللة، موقع لعربات الطعام «food» truck«، تسويرالمنتزة بنباتات تسلق، إنشاء بيت زجاجي يحتوي على الأشجار والنباتات من جميع الفصائل التي لا تعيش بالمناطق الحارة، توفير نظام تبريد للأجواء خصوصا في فصل الصيف).

وقال: من المشروع تم من خلالهما إنجاز عناصر عدة وتضمن ذلك تنفيذ (ساحات تزلج جبلية، مظلات للجلوس، ساحات خاصة بإقامة الفعاليات والأكشاك المؤقتة للمناسبات العامة، مجاميع ألعاب الأطفال، ممرات المشاة، تنفيذ أعمال زراعية ومسطحات خضراء، تركيب الإنارة الليلية للممرات والطرق الداخلية للمنتزه، مواقف للمركبات، التلفريك المعلق والذي يبلغ طول مساره «1500متر» مكون من ثلاث محطات، بحيرتين سُفلية وعلوية على مساحة عشرة آلاف متر مربع وشلالين بطول يُقدر بحوالي 1100 متر على شكل تضاريس الجبل، ثلاثة جسور شد خشبية معلقة تتراوح أطوالها بين 190 – 320 متر طولي، الحبل الطائر «sky rope»، آبار مياه جوفية، دورات مياه في مواقع مختلفة من الجبل).

أكد المحلل الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين على أهمية قطاع السياحة، مبينا أنه أحد أهم القطاعات المستهدفة برؤية 2030 ضمن إستراتيجية تنويع مصادر الاقتصاد وبالرغم من أهميته القصوى إلا أن مساهمته محدودة في الناتج المحلي، لذا تسعى الحكومة لرفع مساهمته وليكون أحد القطاعات الاقتصادية الرئيسة.

وقال البوعينين: «من الطبيعي أن يكون الجذب السياحي من أدوات تعزيزه وتحفيز المستثمرين للدخول فيه. ومن هنا تعتبر السياحة الداخلية من روافد الدعم للقطاع ومن أدوات توطين الأموال في الاقتصاد المحلي بدل إنفاقها في الخارج. لذا تسهم السياحة الداخلية في تعزيز الإنفاق السياحي المحلي وتحفيز الاقتصاد والإبقاء على الأموال في الداخل بدل إنفاقها على السياحة الخارجية، كما تسهم في تعزيز موارد المستثمرين ما يحفزهم على ضخ مزيد من الاستثمارات النوعية في القطاع».

وأوضح البوعينين أن للبرامج السياحية والترفيهية النوعية دورا كبيرا في خفض عدد السياح المغادرين للخارج خصوصا في الإجازات القصيرة والأعياد، «وأعتقد أن تنفيذ مشروعات سياحية نوعية سيسهم في توطين السياحة بشكل كبير وهذا من مستهدفات رؤية المملكة 2030».

وأكدت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أنها لا تقلل بتاتًا من الجهود العالمية للسياحة، وإنما تستفيد من خبراتها وبرامجها، ولكن الهيئة تؤكد على أن السائح السعودي هو أحد أكبر مجالات التسويق العالمية في السياحة.

وقالت الهيئة ردا على سؤال: «تبعًا لذلك تضع الهيئة برامجها وخططها السياحية المتعددة من أجل أن تكون السياحة الداخلية هي الخيار الرئيس للسائح السعودي، كما أن الهيئة لا تستهدف في مرحلتها الحالية الانفتاح على دخول السياحة الخارجية إلى المملكة، وذلك لاعتبارات متعددة، ولعل أهمها أن الهيئة تنظر إلى المواطن والمقيم بصفة رئيسة، وتراهن على تلبية احتياجاته، كما أن التوجه لجذب السياح من الخارج في ظل عدم اكتمال البنية التحية السياحية، والإقبال الكبير من الداخل على سوق السياحة السعودية، قد يشكل عبئاً إضافياً على المواطن بسبب عدم التوازن بين العرض والطلب الذي يساهم في ارتفاع أسعار الإيواء وغلاء أسعار الخدمات، لذلك توجه الهيئة كامل برامجها واهتماماتها إلى السائح المحلي ثم المقيم ثم مواطني دول مجلس التعاون في هذه المرحلة».

وقال الاستشاري النفسي د. عبدالعزيز المطوع: إن للسياحة الداخلية دورا هاما في تثقيف الفرد عن معالم وطنه، مبينا أن السياحة الداخلية تحتاج إلى بنية تحتية ومواصلات سهلة وفي متناول الجميع، «فالمملكة تحتوي على كنوز هامة ومواقع جذابة وتاريخية وأثرية وتراثية، ويفترض على الفرد أن يسهم في تنمية قطاع السياحة الداخلية».

وأضاف: «إن للسياحة الداخلية الأثر الأمني والنفسي فالفرد يتنقل في أرجاء وطنه بكل اطمئنان وسهولة ويشعر بالفخر عندما يرى معالم وطنه ويجد الاهتمام، لذا الفرد يحتاج إلى برامج تناسب عقله ونفسيته وتحترم دينه وتقاليده وليست برامج هابطة في المعنى والأسلوب، فالإنسان مع عائلته يريد برامج تنمي الفكر الثقافي لديه ويستطيع الاستفادة من الفعاليات السياحية بما يعود عليه بالفائدة».

سلطت رؤية المملكة 2030 الضوء على أهمية تطوير قطاع السياحة والترفيه من أجل تنويع مصادر دخل المملكة وتشجيع استثمار القطاع الخاص، والارتقاء بجودة الحياة في المدن السعودية وإيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء وتعزيز ثقتهم بالاقتصاد، عبر تحديث خطط لتطوير مواقع سياحية، وفق أعلى المعايير العالمية، وتيسير إجراءات إصدار التأشيرات للزوار، إضافة إلى تهيئة المواقع التاريخية والتراثية وتطويرها.

وفي أبريل 2017، رفع الستار عن أكبر مدينة ترفيهية ورياضية وثقافية في العالم، «مشروع القدية» الذي سيكون عاصمة الترفيه المستقبلية في المملكة.

وفي خططها الرامية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، منحت المملكة تراخيص لشركات أجنبية عاملة في هذا القطاع، من بينها «SIX FLAGS» وهي أكبر شركة ترفيهية في العالم، حيث المستهدف في نهاية 2020 أن تصل قيمة الاستثمارات السياحية إلى نحو 171.5 مليار ريال، وأن يصل عدد الوظائف إلى 1.2 مليون وظيفة في نهاية 2020.

وبلغ عدد الوظائف المباشرة في قطاع السياحة في نهاية عام 2018 نحو 571 ألف وظيفة مقارنة بـ 535.94 ألف وظيفة في نهاية عام 2017 مسجلة نموا نسبته 6.5% بنحو 35.06 ألف وظيفة.

تأخذ السياحة في المملكة أنماطاً وأشكالاً متعددة، وتشمل: سياحة الرياضة والمغامرات، وسياحة الثقافة والتراث، وسياحة الأعمال والمؤتمرات والمعارض، وسياحة الصحة والاستشفاء (السياحة العلاجية)، وسياحة البيئة، وسياحة التسوق، والسياحة الزراعية، وهناك أيضاً السياحة الاجتماعية كزيارة الأصدقاء والأقارب، وكذلك السياحة الدراسية، بالإضافة إلى أنواع السياحة وأنماطها التي تتعدد في الصيف وفي المناطق الساحلية. وفي هذا الصدد، أوضحت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أنها تطرح مفهومًا متجددًا لأنماط السياحة، حيث ترتبط بالقيمة والابتكار، وفي سبيل ذلك يتم تقديم عدد من البرامج والأنشطة التي تحفز على التنوع السياحي الذي تتميز به المملكة.

(اليوم)
إغلاق